ملكة لليلة واحدة هي قصة قصيرة إن جاز التعبير .. و هي أول محاولة لي في هذا المجال شجعتني على كتابتها صديقة عزيزة .. ترددت في نشرها فترة كبيرة من الوقت امتدت لشهور و لكني قررت اليوم أن أنشر الجزء الأول منها طارحة كل مخاوفي جانبًا .. آرائكم و توجيهاتكم هامة جدا لي .

تمددت على سرير المستشفى الخاص بها في انتظار جلسة العلاج الكيميائي و بجانبها والدتها تقرأ في كتاب الله بصوت خافت ، و ترتسم على وجهها ابتسامة هادئة و راضية ، نظرت إلى والدتها التي انهمكت في القراءة ، فأمسكت هاتفها المحمول و بعثت له برسالة:
كنت أتمنى أن أراك قبل أن أغادر ، و بما أنه ليس في الإمكان ، فعدني أنك كل ما تتذكرني تبتسم :) .
ابتسمت ابتسامة أكبر من سابقتها عندما أخبرتها شبكة المحمول أن الرسالة وصلته ، فوضعت الهاتف إلى جوارها في هدوء و أغمضت عينيها لا لتنام و إنما لتسرح في أحلامها .

على الجانب الآخر ، كان هو منهمك في عمله ، سمع صوت هاتفه يخبره أن هناك رسالة ، كان الهاتف بعيدا عنه فنظر إليه نظرة عابرة ثم استأنف عمله بكل تركيز ، و بعد نصف الساعة ، قرر أن يأخذ قسطا من الراحة ثم يعود ، همُّ أن يخرج من غرفته ليحضر شيئا يشربه، و لكنه تذكر أن الهاتف كان قد أصدر صوتا ما ، فالتقطه و فتح الرسالة و قرأها للمرة الأولى فلم يفهم منها شيئا، فجلس على أقرب كرسي و عيناه لم تفارق هاتفه و قرأ الرسالة مرة أخرى ثم ثالثة فلم يفهم أيضا ، فاتصل بها ...

كانت هي مستغرقة في أحلام يقظتها و إذا بهاتفها يصدر نغماته التي وضعتها خصيصا له ، فانتفضت عندما أدركت أنه هو ، فقد كان معها في أحلامها منذ ثوان ، تاهت لبرهة بين الحلم و الحقيقة ثم فأمسكت بهاتفها في لهفة و كادت أن ترد ، و لكنها نظرت لولدتها التي بدورها نظرت إليها متسائلة : ما تردي على التليفون ؟!

قالت بملامح متوترة : أه حاضر ماشي ها أرد أهو .

و لكن بداخلها لا تريد أن تفعل أمام والدتها ، و لكنها مضطرة فضغطت على زر الإجابة و هي تغمض عينيها و تتمنى من كل قلبها أن يفصل الاتصال ، و هذا ما حدث بالفعل ... فتنهدت بارتياح و قالت لوالدتها : الخط فصل.

فقالت الأم : هم أتأخروا كده ليه مش المفروض تكوني بدأتي من نص ساعة ؟ أنا ها أروح أشوف الدكتور فين .

هي – و كأن والدتها أهدتها الحل - : أه يا ماما صح هم قالوا كده روحي استعجليهم .

بالطبع كانت في أسعد حالاتها أن أمها سوف تغادر الغرفة ، غادرت الأم و نظرت هي إلى الهاتف الذي لم تتركه من يدها و قالت للهاتف : اتصل بقى يالا ياااالا.

و إذا به يتصل مرة أخرى ، كان قلبها يرقص من الفرحة و خرجت منها أصوات فرحانة مكتومة ، و استجمعت شجاعتها كي يبدو صوتها خاليا من أي انفعال قائلة : السلام عليكم

هو : و عليكم السلام و رحمة الله ، أزيك ؟

هي : الحمد لله ، إيه الأخبار؟

- تمام الحمد لله ، إيه الرسالة اللي بعتيها دي مش فاهم حاجة ؟!

- احم ، أه ما هو أنا أقصدها بجد .

- يعني إيه تقصديها ؟ قبل أن تغادري فين إن شاء الله ؟!

- احم أغادر امممممم أغادر ..... اختلطت الحروف بالدموع و احتبست في حلقها تفتح فمها كي تجيب على تساؤله و لكن الحروف خانتها و لم تخرج.

- ألو ... أنتي معايا ؟

ردت و البكاء يملأ الحروف

- أه

- مالك أنتي كويسة ؟ في إيه؟

نزلت الدموع من عينيها في استسلام ، و تبدلت أحوالها و اختفت الابتسامة ، ما كانت تنوي أبدا أن تخبره بالحقيقة و لكن هذا ما تعودت مع عليه كأصدقاء ، فكيف تكون آخر كلمات بينهما كذب !!!

- في المستشفي

- ليه خير مامتك كويسة ؟

- أها دا أنا تعبت شوية و جابوني هنا من أسبوع كده

- أسبوع ! و متقوليش؟ سلامتك مالك في إيه ؟

- باخد علاج كيميائي

انهمرت في تلك اللحظة دموعها ، و هو على الطرف الآخر يتساءل في هلع

- اللي هو ازاي يعني ، عاوز افهم في إيه و كيميائي ليه و أمتى ده حصل ؟

- كنت حسيت بشوية دوخة و بعدين بقت إغماء فلما كشفت عرفت من أسبوع واحد.

صمت هو لحظات لكي يستوعب ما تقوله هي ، فما تقوله ضرب من الخيال بالنسبة له لم يكن يتخيل أن يسمع هذه الكلمات منها أبدا ... و في خلال صمته كانت تبكي و بشدة ، ثم استجمعت قوتها و أجبرت نفسها على الابتسام وسط الدموع حتى تقول بصوت مخنوق

- إيه يا ابني مالك في إيه ، الحمد لله على كل حال و أنا راضية جدا و الحمد لله

لم تتلق أي رد منه فلم يفق بعد من صدمته بعد

- ألوو ألوووو أنت معايا ؟

فرد بصوت خائف و خافت

- و أنتى عاملة ايه ؟

- تمام الحمد لله ، يالا يا عم هاتستريحوا مني و من دوشتي

كانت تلك الكلمات كفيله بانهيارهما في البكاء ... ظلا هكذا لدقائق ثم قال لها بصوته الباكي تختفي نصف حروفه

- أنا مش مصدق ، ازاى ده حصل طيب

- قدر الله و ما شاء فعل و أنا و الله راضية أنا بس ... ... (لحظات صمت و بكاء) ... هاتوحشوني ....

ثم أجهشا بالبكاء مرة أخرى و طالت الدقائق هذه المرة فتصور كل منهما اللحظات الصعبة التي تنتظرهما بعد ساعات ...
...تابع القراءة